الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ... (13)}.معناه: هذه حدود اللّه.وقوله: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ... (15)}.وفى قراءة عبد اللّه واللاتى يأتين بالفاحشة والعرب تقول: أتيت أمرا عظيما، وأتيت بأمر عظيم، وتكلمت كلاما قبيحا، وبكلام قبيح. وقال في مريم: {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} {وجِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} ولو كانت فيه الباء لكان صوابا.وقوله: {فأمسكوهن في البيوت} كن يحبسن في بيوت لهن إذا أتين الفاحشة حتى أنزل اللّه تبارك وتعالى: قوله: {وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما.. (16)}.فنسخت هذه الأولى.وقوله: {ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ... (17)}.يقول: قبل الموت. فمن تاب في صحّته أو في مرضه قبل أن ينزل به الموت فتوبته مقبولة.وقوله: {يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ} لا يجهلون أنه ذنب، ولكن لا يعلمون كنه ما فيه كعلم العالم.وقوله: {وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ... (18)}.(الذين) في موضع خفض. يقول: إن أسلم الكافر في مرضه قبل أن ينزل به الموت كان مقبولا، فإذا نزل به الموت فلا توبة.وقوله: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهًا... (19)}.كان الرجل إذا مات عن امرأته وله ولد من غيرها وثب الولد فألقى ثوبه عليها، فتزوّجها بغير مهر إلا مهر الأول، ثم أضرّ بها ليرثها ما ورثت من أبيه، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ} {تعضلوهن} في موضع نصب بأن. وهي في قراءة عبد اللّه {ولا أن تعضلوهنّ} ولو كانت جزما على النهى كان صوابا.وقوله: {وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ... (21)}.الإفضاء أن يخلو بها وإن لم يجامعها.وقوله: {مِيثاقًا غَلِيظًا} الغليظ الذي أخذنه قوله تبارك وتعالى: {فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ}.وقوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ... (23)}.أن في موضع رفع كقولك: والجمع بين الأختين.وقوله: {وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ... (24)}.المحصنات: العفائف. والمحصنات: ذوات الأزواج التي أحصنهنّ أزواجهن.والنصب في المحصنات أكثر. وقد روى علقمة: {المحصنات} بالكسر في القرآن كله إلا قوله: {وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ} هذا الحرف الواحد لأنها ذات الزوج من سبايا المشركين. يقول: إذا كان لها في زوج في أرضها استبرأتها بحيضة وحلّت لك.وقوله: {كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} كقولك: كتابا من اللّه عليكم. وقد قال بعض أهل النحو: معناه: عليكم كتاب اللّه. والأوّل أشبه بالصواب. وقلّما تقول العرب:زيدا عليك، أو زيدا دونك. وهو جائز كأنه منصوب بشئ مضمر قبله، وقال الشاعر:
الدلو رفع، كقولك: زيد فاضربوه. والعرب تقول: الليل فبادروا، والليل فبادروا. وتنصب الدلو بمضمر في الخلفة كأنك قلت: دونك دلوى دونك.وقوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ} يقول: ما سوى ذلكم.وقوله: {وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ} يريد: سواه.وقوله: {أَنْ تَبْتَغُوا} يكون موضعها رفعا يكون تفسيرا لـ (ما)، وإن شئت كانت خفضا، يريد: أحل اللّه لكم ماوراء ذلكم لأن تبتغوا. وإذا فقدت الخافض كانت نصبا.وقوله: {مُحْصِنِينَ} يقول: أن تبتغوا الحلال غير الزنا. والمسافحة الزنا.وقوله: {ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ... (25)}.يقول: إنما يرخص لكم في تزويج الإماء إذا خاف أحدكم أن يفجر. ثم قال:وأن تتركوا تزويجهن أفضل.وقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ... (26)}.وقال في موضع آخر {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} والعرب تجعل اللام التي على معنى كى في موضع أن في أردت وأمرت. فتقول: أردت أن تذهب، وأردت لتذهب، وأمرتك أن تقوم، وأمرتك لتقوم قال اللّه تبارك وتعالى: {وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ} وقال في موضع آخر: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ} وقال: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا} و{أَنْ يُطْفِؤُا} وإنما صلحت اللام في موضع أن في (أمرتك) وأردت لأنهما يطلبان المستقبل ولا يصلحان مع الماضي ألا ترى أنك تقول: أمرتك أن تقوم، ولا يصلح أمرتك أن قمت. فلما رأوا (أن) في غير هذين تكون للماضى والمستقبل استوثقوا لمعنى الاستقبال بكى وباللام التي في معنى كى. وربما جمعوا بين ثلاثهن أنشدنى أبو ثروان: فجمع (بين اللام وبين كى) وقال اللّه تبارك وتعالى: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ} وقال الآخر في الجمع بينهن: وإنما جمعوا بينهنّ لا تفاقهنّ في المعنى واختلاف لفظهن كما قال رؤبة: وربما جمعوا بين ما ولا وإن التي على معنى الجحد أنشدنى الكسائي في بعض البيوت: فجمع بين ثلاثة أحرف.وربما جعلت العرب اللام مكان (أن) فيما أشبه (أردت وأمرت) مما يطلب المستقبل أنشدنى الأنفىّمن بنى أنف الناقة من بنى سعد: والكلام: رجا أن يضحك منى. ولا يجوز: ظننت لتقوم. وذلك أن (أن) التي تدخل مع الظنّ تكون مع الماضي من الفعل. فتقول: أظن (أن قد) قام زيد، ومع المستقبل، فتقول: أظنّ أن سيقوم زيد، ومع الأسماء فتقول: أظنّ أنك قائم. فلم تجعل اللام في موضعها ولا كى في موضعها إذ لم تطلب المستقبل وحده.وكلما رأيت (أن) تصلح مع المستقبل والماضي فلا تدخلنّ عليها كى ولا اللام.وقوله: {فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نارًا... (30)}.وتقرأ: نصليه، وهما لغتان، وقد قرئتا، من صليت وأصليت. وكأنّ صليت: تصليه على النار، وكأنّ أصليت: جعلته يصلاها.وقوله: {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)} ومدخلا، وكذلك: {أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} وإدخال صدق. ومن قال: مدخلا ومخرجا ومنزلا فكأنه بناه على: أدخلنى دخول صدق.وأخرجني خروج صدق. وقد يكون إذا كان مفتوحا أن يراد به المنزل بعينه كما قال: {رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكًا} ولو فتحت الميم كانت كالدار والبيت. وربما فتحت العرب الميم منه، ولا يقال في الفعل منه إلا أفعلت. من ذلك قوله: وقال الآخر: وأنشدنى المفضّل: فهذا مما لا يبنى على فعلت، وإنما يبنى على أرودت. فلمّا ظهرت الواو في المرود ظهرت في المرود كما قالوا: مصبح وبناؤه أصبحت لا غير.وقوله: {وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ (32)} ليس هذا بنهي محرّم إنما هو من اللّه أدب. وإنما قالت أم سلمة وغيرها:ليتنا كنا رجالا فجاهدنا وغزونا وكان لنا مثل أجر الرجال، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ} وقد جاء: لا يتمنين أحدكم مال أخيه، ولكن ليقل: اللهمّ ارزقني، اللهمّ أعطنى.وقوله: {فَالصَّالِحاتُ (34)} وفى قراءة عبد اللّه فالصوالح قوانت تصلح فواعل وفاعلات في جمع فاعلة.وقوله: {بِما حَفِظَ اللَّهُ} القراءة بالرفع. ومعناه: حافظات لغيب أزواجهن بما حفظهن اللّه حين أوصى بهن الأزواج. وبعضهم يقرأ {بِما حَفِظَ اللَّهُ} فنصبه على أن يجعل الفعل واقعا كأنك قلت: حافظات للغيب بالذي يحفظ اللّه كما تقول: بما أرضى اللّه، فتجعل الفعل لما، فيكون في مذهب مصدر. ولست أشتهيه لأنه ليس بفعل لفاعل معروف، وإنما هو كالمصدر.وقوله: {فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} يقول: لا تبغوا عليهن عللا.وقوله: {وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ} جاء التفسير أن معنى تخافون: تعلمون.وهى كالظن لأن الظانّ كالشاكّ والخائف قد يرجو. فلذلك ضارع الخوف الظنّ والعلم ألا ترى أنك تقول للخبر يبلغك: أما واللّه لقد خفت ذاك، وتقول: ظننت ذلك، فيكون معناهما واحدا. ولذلك قال الشاعر: وقال الآخر: كأنه قال: وما ظننت أنك عائبى. ونقلنا في الحديث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: أمرت بالسواك حتى خفت لأدردن. كقولك: حتى ظننت لأدردن.وقوله: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِها (35)} يقول: حكما من أهل الرجل وحكما من أهل المرأة ليعلما من أيهما جاء النشوز.فينبغى للحكم أن يأتى الرجل فينتظر ما عنده هل يهوى المرأة، فإن قال: لا واللّه مالى فيها حاجة، علم أن النشوز جاء من قبله. ويقول حكم المرأة لها مثل ذلك، ثم يعلماهما جميعا على قدر ذلك، فيأتيا الزوج فيقولا: أنت ظالم أنت ظالم اتق اللّه، إن كان ظالما. فذلك قوله: {إِنْ يُرِيدا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما} إذا فعلا هذا الفعل.وقوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا (36)} أمرهم بالإحسان إلى الوالدين. ومثله {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا} ولو رفع الإحسان بالباء إذ لم يظهر الفعل كان صوابا كما- تقول في الكلام: أحسن إلى أخيك، وإلى المسيء الإساءة.{وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى} بالخفض. وفى بعض (مصاحف أهل الكوفة وعتق المصاحف) ذا القربى مكتوبة بالألف. فينبغى لمن قرأها على الألف أن ينصب والجار ذا القربى فيكون مثل قوله: {حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى} يضمر فعلا يكون النصب به.{وَالْجارِ الْجُنُبِ}: الجار الذي ليس بينك وبينه قرابة {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ}: الرفيق {وَابْنِ السَّبِيلِ}: الضيف.
|